📁 آخر الأخبار

أمن الذكاء الاصطناعي: طرق الكشف عن الانتحال العميق (Deepfake) وحماية المنشورات

 

 أمن الذكاء الاصطناعي: طرق الكشف عن الانتحال العميق (Deepfake) وحماية المنشورات



تطوّرت قدرات الذكاء الاصطناعي في توليد الوسائط إلى مرحلة جعلت التفرقة بين الحقيقي والمصطنع تحديًا متزايد الصعوبة. وبينما تتيح لنا هذه التقنيات تطبيقات مبدعة في التعليم والإنتاج الإعلامي والترفيه، فإنها تفتح الباب أمام استخدامات مسيئة تُهدد الخصوصية، وسمعة الأفراد، وسلامة الخطاب العام. هنا تظهر أهمية بناء منظومة متكاملة تمزج بين الكشف التقني والحماية الوقائية والحوكمة القانونية والأخلاقية.

خلاصة سريعة: اعتمد على ثلاث طبقات دفاعية: (1) كشف آلي وبصري وصوتي، (2) حماية منشوراتك بتوقيع ورقم زمني وعلامة مائية، (3) سياسات استخدام ومراجعة تحريرية واضحة.

ما هو التزييف العميق وكيف يعمل؟

التزييف العميق (Deepfake) هو توليد أو تعديل صور وفيديو وصوت ليبدو طبيعيًا باستخدام شبكات عصبية عميقة. بدأت الموجة مع المولّدات التنافسية (GANs) وامتدت إلى النماذج الانتشارية وتقنيات التركيب والدمج والفلاتر الواقعية. في الفيديو، قد يتم استبدال وجه أو مزامنة الشفاه مع خطاب جديد؛ وفي الصوت، تُستنسخ بصمة المتحدث لإنتاج كلام مُقنع؛ وفي الصور، تُخلق وجوه أو مشاهد من العدم.

آليات شائعة

  • GANs: شبكة مولِّدة تواجه شبكة مميِّزة حتى يصل الناتج إلى واقعية عالية.
  • النماذج الانتشارية: تبدأ من ضوضاء وتسترجع صورة/إطارًا واقعيًا عبر عمليات إزالة الضوضاء المتتابعة.
  • المشفّرات/المفكّكات (Autoencoders): لضبط السمات ونقلها مثل ملامح الوجه أو أسلوب الصوت.
  • استنساخ الصوت (Voice Cloning): محاكاة النبرة والإيقاع عبر نماذج تسلسل-لتسلسل وتحويل الكلام.

تعتمد كل هذه الأساليب على توافر بيانات تدريب كافية؛ كلما زاد تنوّع البيانات وجودتها، زادت صعوبة كشف التوليد، لذا لا بد من تقنيات كشف متعددة المستويات.

لماذا يُعدّ التزييف العميق تهديدًا؟

  • التضليل: فبركة خطابات أو أحداث لتشكيل الرأي العام.
  • الابتزاز والتشهير: محتوى زائف يضر بالسمعة أو يُستخدم كأداة ضغط.
  • الاحتيال والهندسة الاجتماعية: انتحال هوية قيادات أو أقارب بصوت وصورة مقنعة.
  • اهتزاز الثقة بالوسائط: الشكّ الدائم يُضعف التأكيد الصحفي والقضائي.
  • تكاليف الاستجابة: وقت وخبرات وأدوات للتحقق والاحتواء.

التهديد لا يقتصر على الأفراد؛ المؤسسات الإعلامية والشركات والحكومات تتأثر جميعًا، لذلك يلزم إطار شامل يجمع الوقاية والكشف والاستجابة.

طرق الكشف عن الانتحال العميق

1) إشارات بصرية وفيزيولوجية

ابحث عن تناقضات دقيقة: رمش غير منتظم، نظرة لا تتبع الهدف، غياب تفاصيل مسام الجلد، حواف وجه ذائبة بعد الضغط، أو تموّجات غير طبيعية في الشعر والأسنان. كما أن عدم تزامن الصوت مع حركة الشفاه مؤشر قوي.

2) تناسق الإضاءة والظلال والمنظور

قارن اتجاه الظلال وشدّتها مع مصدر الضوء المفترض، وتحقق من انعكاسات العيون والسطوح اللامعة، ومن اتساق الحجم والعمق (المنظور) بين العناصر.

3) تحليل ترددي (Frequency) وآثار الضغط

تظهر المنتجات المُولّدة أحيانًا نمطًا مميزًا في الترددات العالية أو منخفضة التباين. قد يكشف تحويل فورييه السريع (FFT) أو فحص JPEG عن تكرارات شاذة أو كتل ضغط غير متجانسة.

4) بصمة الكاميرا وبيانات EXIF

لكل مستشعر تصوير بصمة ضوضاء (PRNU) يمكن مقارنتها، كما أن بيانات EXIF قد تُظهر تناقضات. لكن تذكر: يمكن إزالة هذه البيانات أو تزويرها، فلا تعتمد عليها وحدها.

5) كشف الصوت المقلّد

محاور الكشف الصوتي تشمل: بصمات الترددات المشكلة (Formants)، قياسات jitter وshimmer، الطيف الزمني، واكتشاف القطع/اللصق. قد تُظهر اللهجة والوقفات والتنغيم مؤشرات عدم طبيعية.

6) النماذج التنبؤية (AI Forensics)

تُدرّب مصنّفات عميقة على مجموعات كبيرة من الوسائط المزيفة والحقيقية لاستخراج أنماط خفية لا يراها الإنسان. لتحسين موثوقية النتائج، يُفضّل الجمع بين عدّة مصنّفات وإظهار درجة الثقة لا الحكم القطعي.

7) التحقق السياقي وOSINT

حتى لو بدا المحتوى مقنعًا، قد تكشف سياقات المكان والزمان والأشخاص خطأه: افحص الطقس واللافتات والملابس والتقاويم، واعمل بحثًا عكسيًا عن الصور والإطارات الرئيسية للفيديو.

نصيحة: لا تعلن أن الوسيط مزيفًا أو أصليًا إلا مع توثيق منهجي: المنهج، الأدوات، المعايير، والقيود.

حماية المنشورات والمحتوى

1) العلامات المائية (Watermarking)

المتينة (Robust): تبقى بعد الضغط أو القص المعتدل، مناسبة للإثبات والتتبّع. الهشّة (Fragile): تتلف مع أي تعديل، فتعمل كمكاشف عبث (Tamper-evident).

2) التوقيع الرقمي وختم الزمن

وقّع صورك وفيديوهاتك وملفاتك بهوية مفتاح عام/خاص، واحفظ تجزئة المحتوى مع ختم الزمن لبيان الأسبقية. احتفظ بنسخة أصلية غير منشورة.

3) بيانات المنشأ والمعيارية (Provenance)

استخدم معايير المصداقية/منشأ المحتوى (مثل مبادئ C2PA/Content Credentials) لإرفاق سجل تحرير يبيّن المصدر والتعديلات بوضوح.

4) سياسات نشر عملية

  • انشر دقة مناسبة وغوّش تفاصيل حساسة عند الحاجة.
  • أضف لوجو/علامة ثابتة في موضع صعب القص.
  • أدر صلاحيات الوصول، ولا تمنح التحرير إلا للمخوّلين.

5) تأمين الحسابات والقنوات

  • فعّل المصادقة متعددة العوامل، واستخدم مديري كلمات مرور.
  • قيّد تطبيقات الطرف الثالث وامنح أقل صلاحية لازمة.
  • تابع سجلات الدخول والتنبيهات.

6) الاستجابة للحوادث

جهّز نموذج بلاغ، قناة اتصال رسمية، وقائمة إجراءات: توثيق المحتوى، جمع الأدلة، تواصل قانوني، طلبات إزالة، بيان للجمهور عند الحاجة.

سياسات المنصات والإعلام

تتبنّى منصات كبرى أدوات كشف وسياسات وسم وتحذير للمحتوى المصطنع. ومع ذلك، تختلف قواعد التطبيق والتنفيذ. للمؤسسات الإعلامية، يُنصح بإدراج ضوابط في سير العمل التحريري: تحقق متعدد المصادر، سجل خطوات المراجعة، وأرشفة الأدلة الداعمة.

سير عمل مقترح لغرفة الأخبار

  1. استخراج لقطات مفتاحية وإجراء بحث عكسي.
  2. تحليل بصري/صوتي أولي وتقييم سياقي.
  3. تمرير المحتوى إلى أداة كشف آلية مع توثيق النتائج.
  4. مراجعة بشرية مستقلة قبل النشر.

سلسلة الحفظ (Chain of Custody)

احتفِظ بالملف الأصلي، وسجّل كل خطوة معالجة، وخزّن التجزئات والتواقيع، حتى تُقدّم دليلاً متماسكًا عند الاعتراض.

دور الجامعات والتعليم

يمتد الدور من البحث العلمي إلى محو الأمية الإعلامية. يمكن للجامعات إنشاء مختبرات الطب الشرعي للوسائط، ومساقات تركّز على تقييم المصادر، ومشاريع تميّز بين الحقيقي والمزيف، ومسابقات طلابية لبناء أدوات كشف مفتوحة المصدر. إن الاستثمار في الوعي النقدي يخفّض قابلية المجتمع للانخداع.

الأبعاد الأخلاقية

يجب ألا يؤدي سباق الكشف إلى انتهاكات خصوصية أو مراقبة مفرطة. كما أن نماذج الكشف قد تتحيّز ضد مجموعات معيّنة إذا دُرّبت على بيانات غير متوازنة. لذا، ينبغي الإفصاح عن القيود ونسب الخطأ، وتبنّي مبادئ الذكاء الاصطناعي المسؤول: الشفافية، العدالة، قابلية الشرح، والمساءلة.

مستقبل أمن الذكاء الاصطناعي

  • أختام مضمّنة في المولدات: وسوم مائية على مستوى النموذج لتعليم الوسائط المصطنعة تلقائيًا.
  • كشف تعاوني: مشاركة بصمات وتواقيع عبر منصات مختلفة لتسريع الاستجابة.
  • نماذج هجينة: تمزج بين إشارات فيزيولوجية وترددية وسياقية لخفض الإيجابيات الكاذبة.
  • أدوات على الهاتف: كشف محلي على الجهاز قبل المشاركة أو إعادة النشر.

سيظل الصراع بين التوليد والكشف متوازنًا؛ ما نحتاجه هو منظومة مرنة تُحدّث باستمرار وتضع الإنسان في المركز.

أسئلة شائعة

هل يمكن الاعتماد على أداة واحدة فقط؟

الأفضل استخدام مزيج من الفحص البصري/الصوتي، أدوات آلية متعددة، وتحقق سياقي بشري.

كيف أحمي صوري الشخصية من سوء الاستخدام؟

خفّض الدقة عند المشاركة العامة، أضف علامة مائية، واحصر الوصول عبر إعدادات الخصوصية. احتفظ بالنسخ الأصلية لديك.

هل العلامة المائية تشوّه الصورة؟

يمكن وضع علامة نصف شفافة في موضع صعب القص، أو اعتماد وسوم خفية لا تُرى بالعين المجرّدة.

ماذا أفعل إذا استُخدم اسمي أو صوتي في محتوى مزيف؟

جمّع الأدلة، وثّق الروابط والنسخ، تواصل قانونيًا، قدّم طلبات إزالة للمنصات، وانشر إخلاء مسؤولية واضحًا لجمهورك.

ختاما

التزييف العميق واقع سيبقى. لكن بمزج تقنيات الكشف، وحماية المنشورات، وسياسات واضحة، وتعليم فعّال، يمكننا تقليل مخاطره إلى حد كبير. ابدأ اليوم بخطوات بسيطة: وقّع ملفاتك، أضف علامة مائية، ودرّب نفسك وفريقك على التحقق قبل النشر.

تعليقات